الحج عرفه هل تعرف معناها | فضل يوم عرفه
الحج عرفه
بسم الله الرحمن الرحيم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحج عرفة " (1) الحديث أخرجه أحمد فى مسنده ورواه أبو داود والترمزى والنسائى وابن ماجه فى السنن .. كما رواه ابن حبان والحاكم وصححاه من رواية عبد الرحمن بن يعمر الديلى (2) : أن ناساً من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة فسألوه فأمر منادياً فنادى الحج عرفة .. من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج ، أيام منى ثلاثة ، فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه ، وفى لفظ لأبى داود : الحج الحج يوم عرفة وفى رواية لأحمد : الحج حج عرفة .
قال الترمزى : والعمل على حديث عبد الرحمن بن يعمر عند أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، أنه من لم يقف بعرفات قبل طلوع الفجر فقد فاته الحج ، ولا يجزىء عنه إن جاء بعد طلوع الفجر ، ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل ، وعن وكيع قال : هذا الحديث أم المناسك .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " الحج عرفة " قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : تقديره : إدراك الحج وقوف عرفة ، قال القارى : أى ملاك الحج ومعظم أركانه : وقوف عرفة ، لأنه يفوت بفواته .
أى : أن من أدرك عرفة ليلة مزدلفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج فلم يفته ، وأمن الفساد ، وعليه أن يتم أعمال الحج بعد ذلك ، والحديث دال على أن من لم يدرك عرفة قبل طلوع الفجر من يوم النحر فإنه لا حج له ، وعليه أن يتم عمرة ليتحلل من إحرامه ويحج من قابل .
العبد يعتق والصبى يحتلم والصبية تحيض بمزدلفة :
معلوم أن الحج فرض على المسلم البالغ الحر فإن حج العبد ثم أعتق أو الصبى ثم بلغ فلا تجزئه عن حجة الإسلام .
قال القرطبى : إذا أعتق العبد أو بلغ الصبى وهو محرم قبل عرفة أجزأته عن حجة الإسلام . ولو أعتق بمزدلفة وبلغ الصبى بها فرجعا إلى عرفة بعد العتق والبلوغ فأدركا الوقوف بها قبل طلوع الفجر أجزأت عنهما من حجة الإسلام ولم يكن عليهما دم .
قال الشنقيطى فى أضواء البيان : والحاصل أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج إجماعاً ، وأن من جمع بين الليل والنهار من بعد الزوال فوقوفه تام إجماعاً . وإن اقتصر على الليل دون النهار فوقوفه تام ولا دم عليه عند الجمهور ، خلافاً للمالكية القائلين بلزوم الدم . وإن من اقتصر على النهار دون الليل لم يصح وقوفه عند المالكية ، وحجه صحيح عند الجمهور ، وهو الصحيح فى مذهب أحمد ، وإن كان أحمد وأبو حنيفة قالا : يلزم الدم .
أما من اقتصر فى وقوفه على الليل دون النهار ، أو النهار من بعد الزوال دون الليل ، فأظهر الأقوال فيه دليلاً : عدم لزوم الدم . أما المقتصر على الليل فلحديث عبد الرحمن بن يعمر المذكور فى رأس المقال . حيث قال النبى صلى الله عليه وسلم : " فقد أدرك الحج " فهذا نص صريح على المقتصر على الليل وقوفاً ، ولا يدل على لزوم الدم ، وليس له معارض ، وعليه جمهور أهل العلم .
أما من اقتصر فى وقوفه على النهار دون الليل فلحديث عروة بن المضرس الطائى قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت : يا رسول الله إنى جئت من جبلى طىء أكللت راحلتى وأتعبت نفسى والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لى من حج ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى نرفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه " والحديث أخرجه أحمد وأصحاب الشنن والدارمى ، وهو صحيح ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " فقد تم حجه " ظاهر فى عدم لزوم الجبر بالدم . وإن خالف فى ذلك المالكية . أما من وقف نهاراً قبل الزوال ، فظاهر فعل النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده يبين المقصود من النهار وأنه بعد الزوال ، وهذا هو الأرجح والأحوط عند أهل العلم .
ولابن القيم فى زاد المعاد كلام نفيس حول وقوف النبى صلى الله عليه وسلم يوم عرفة بعرفة نسوق هنا بعضه ، قال : وموضع خطبته لم يكن من الموقف ، فإنه خطب (4) بُعرنة وليست من الموقف ، وهو صلى الله عليه وسلم نزل بنمرة ، وخطب بُعرنة ، ووقف بعرفة ، وخطب خطبة واحدة ، ولم تكن خطبتين جلس بينهما . فلما أتمها أمر بلالاً فأذن ، ثم أقام للصلاة فصلى الظهر ركعتين أسر فيهما بالقراءة ، وكان يوم الجمعة فدل على أن المسافر لا يلزمه الجمعه ، ثم أقام فصلى صلاة العصر ركعتين أيضاً ، ومعه أهل مكة ، وصلوا بصلاته قصراً وجمعاً بلا ريب ، ولم يأمرهم بالإتمام ولا بترك الجمع . ومن قال : إنه قال لهم : " أتموا الصلاة فإنا قوم سَفر " فقد غلط فيه غلطاً بيناً ، ووهم هما قبيحاً وإنما قال لهم ذلك فى غزوة الفتح بجوف مكة حيث كانوا فى ديارهم مقيمين . ولهذا كان أصح أقوال العلماء ، أن أهل مكة يقصرون ويجمعون بعرفة كما فعلوا مع النبى صلى الله عليه وسلم ، وهذا أوضح دليل على أن سفر القصر لا يتحدد بمسافة معلومة ولا بأيام معلومة ولا تأثير للنسك فى قصر الصلاة البتة .
وإنما التأثير لما جعله الله سبباً وهو السفر ، هذا مقتضى السنة ، ولا وجه لما ذهب إليه المحددون . فلما فرغ من صلاته ركب حتى أتى الموقف ، فوقف فى ذيل الجبل عند الصخرات ، واستقبل القبلة وجعل جبل المشاة بين يديه ، وكان على بعيره فأخذ فى الدعاء والتضرع والابتهال إلى غروب الشمس ، وأمر الناس أن يرفعوا عن بطن عرنه . وأخبر أن عرفة لا تختص بموقفه ذلك بل قال : " وقفت هنا وعرفة كلها موقف " .
صعود جبل الرحمة من بدع الحج :
قال الشنقيطى فى أضواء البيان : اعلم أن الصعود على جبل الرحمة الذى يفعله كثير من العوام لا أصل له ، ولا فضيلة فيه لأنه لم يرد فى خصوصه شىء بل هو كسائر أرض عرفة ، عرفة كلها موقف ، وكل أرضها سواء إلا موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فالوقوف فيه أفضل من غيره .
ومسجد نمرة كان فى عُرنة ، ولم يكن فيه من عرفة شىء ، واليوم قد اتسع المسجد فصار جزء منه فى عرفة يجزىء الوقوف فيه ، وبقيته فى بطن عُرنة لا يجزىء الوقوف فيه لمن لم يدخل إلى عرفة على التفصيل السابق .
صوم يوم عرفة :
فى الحديث عند مسلم عن أبى قتادة رضى الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة قال : " يكفر السنة الماضية والباقية ".
قال المنذرى فى الترغيب : قال الحافظ : اختلفوا فى صوم يوم عرفة بعرفة ، فقال ابن عمر : لم يصم النبى صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ، وأنا لا أصومه ، وكان مالك والثورى يختاران الفطر ، وكان ابن الزبير وعائشة يصومان يوم عرفة .
والفطر عمل أكثر أهل العلم ، ويستحبون ذلك لمن وقف بعرفة ليتقوى على الدعاء ، وقد قال الشافعى ذلك .
وقال ابن المنذر : الفطر . يوم عرفة بعرفات أحب إلىَّ اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصوم بغير عرفة أحب إلىَّ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن صوم يوم عرفة - فقال : " يكفر السنة الماضية والباقية " .
فضل يوم عرفة :
قال القرطبى فى تفسيره : يوم عرفة فضله عظيم وثوابه جسيم : يكفر الله فيه الذنوب العظام ويضاعف فيه الصالح من الأعمال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون قبلى : لا إله إلا الله وحده لا شريك له " .
وروى الدارقطنى عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عدداً من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو عز وجل ثم يباهى بهم الملائكة ، يقول : ما أراد هؤلاء " . وفى الموطأ عن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما رُئى الشيطان يوماً هو فيه اصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه فى يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا مارُئى يوم بدر .
يوم اجتماع طاعة وعبادة وإخلاص :
يقول الله تعالى : " وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ " ( البقرة : 196 ) قال القرطبى : وفائدة التخصيص بذكر الله هنا أن العرب تقصد الحج للاجتماع والتظاهر والتناضل والتنافر وقضاء الحاجة وحضور الأسواق ، وكل ذلك ليس لله فيه طاعة ولا حظ بقصد ، ولا قربة بمعتقد فأمر الله سبحانه بالقصد إليه لأداء فرضه وقضاء حقه ثم سامح فى التجارة .
إذا نظرت أخا الإسلام لقول القرطبى هذا علمت أن الشيعة اليوم بمحاولتهم التظاهر فى الحج يحيون سنن الجاهلية ، وهم كذلك فى كل شأنهم واجتهادهم لنشر ضلالاتهم وإحياء عبادة غير الله والشرك بصوره ، فاللهم نجنا من ضلالتهم وشركهم .
ونسوق من الأدعية الخاصة بالعرفة ، والعامة به
معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (الحج عرفة) : أنه لا بد في الحج من الوقوف بعرفة ، فمن لم يقف بعرفة فقد فاته الحج ، وليس معناه أن من وقف بعرفة لم يبق عليه شيء من أعمال الحج بالإجماع ، فإن الإنسان إذا وقف بعرفة بقي عليه من أعمال الحج كالمبيت بمزدلفة ، وطواف الإفاضة ، والسعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمار ، والمبيت في منى ، ولكن المعنى : أن الوقوف بعرفة لابد منه في الحج ، وإن لم يقف بعرفة فلا حج له ، ولهذا قال أهل العلم : من فاته الوقوف فاته الحج" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (23/24)