بيت الزكريات وصف دقيق للاستاذ محمود السايس لأيام الزمن الجميل بقرية الشين
بيت الذكريات
علي ناصية شارعنا في الجهة القبلية منه كانت حديقة جميلة تطل منها أشجار الجوافة والعنب وبعض أنواع الورود ،في داخل الحديقة كلبة صغيرة من نوع اللولوه وكانت تسمي (لوله)،بجانب الحديقة منزل مبني بالطوب اللبن مسقوف بسدد البوص الجدران عريضة مطلية بالجير اللبني ،سكان المنزل من أوائل من سكنوا منطقتنا ونحن بعدهم في منطقة ماكينة طحين الحاج بسيوني سيف.
البيت رغم بساطته يسع الجميع .
احتضننا بيت القاضي كما كان الناس يسمونه أو منزل الحاج محمد القاضي والد الشيخ سعد القاضي رحمة الله عليهما.
كنا أطفالا نذهب الي الحقول في الصباح فمطلع الشمس موعدنا ومع الغروب تبدأ رحلة العودة إلي القرية .
انا تحديدا كانت لي في هذا البيت ذكريات حيث كنت أصغر إخوتي وكانت مهمتي في الصيف بعد انتهاء المدرسة حراسة الخضار ،فقد كان لنا حقل مزروع بالياسمين ويزرع أبي داخلة شتي أنواع الخضراوات من طماطم وخيار وعجور وغيرها .
في السادسة صباحا أتوجه الي الحقل لحراسته من الأطفال الذين يعبثون به فقد كان والدي رحمة الله عليه متقنا عمله يعرف الناس حقله من جمال زرعه وتنظيمه،علي رأس الارض شجرة كافور عالية صنعت علي فرع منها سريرا أصعد اليه واجلس فوقه في العالي لأرى الحقل وعند الظهيرة يبعث الغداء إلي وانا علي حالي ،يمر اليوم بين اللعب بالطين وصنع الأشكال والمجسمات تارة ومع سنارتي تارة أخرى أصيد الأسماك من الترعة و العصر موعد شواء الذرة الشامية مع أبناء جيران الحقل .
في السابعة مساء رحلة العودة إلي المنزل ليس الي منزلنا الي منزل عمي محمد القاضي حيث أطفال الشارع يجلسون لمشاهدة التلفاز ،فكان بيت القاضي اول بيت به تلفاز ابيض واسود أشبه ببياتة الفراخ.
يبدا مسلسل البشاير (ابو المعاطي شمروخ)الهدوء يلف المكان الأنظار صوب التلفاز ،تحضر عمتي( انشراح أو ستي انشراح) كما عودنا أهلنا أن نناديها العشاء ،العشاء بسيط من نبت الأرض وقلة ماء موضوعة في الشباك ،الكل يمد يده، العيش يلقي علينا وكأننا أبناء البيت لا فرق ،جارنا صاحب البيت يتوسطنا يمد يده بيدنا،طبق واحد لاكنه يسع الجميع .
الشاي للجميع لا فرق ،أحيانا اكواز الذرة الشامية اليابسة ملقاة علي الحصير ،نمسك بها باصابعنا الصغيرة ونقوم بمساعدة اهل البيت في تفريطها ،البيت تعلوه سحابة من السرور والبهجة ،ما كشر أصحابه يوما وجههم في وجوه أطفال الشارع وانا منهم .
ينتهي المسلسل في التاسعة إلا ربع ،يأتي حديث الروح ،الأمهات علي الباب تنادين علي اطفالهن ليناموا ،فكن يعرفن مكاننا .
بيت القاضي مجتمعنا .
بيت القاضي بيتنا .
الكل الكل واحد.
صاحب البيت الشيخ العجوز ذو اللحية البيضاء وجهه مشرق بالنور تعلوه ابتسامة صافية .
زوجته أمنا جميعا .
الطعام للجميع الصغير والكبير .
الجود بالموجود .
هدم البيت وحلت مكانه الخرسانات المسلحة ،ومات العم محمد وستي انشراح ومات صاحب الإبتسامة الشيخ (سعد القاضي)رحمة الله عليهم أجمعين
لكن بقيت لي الذكريات .
ما نسيت سكانه ولا الغرفة التي كنا نجتمع فيها ولا قلة الماء ،أمر أمام البيت فتراقصني الذكريات وكأن أصحابه علي قيد الحياة .
هنا بيت الذكريات .
هنا عشنا اجمل اللحظات .
هنا بيت الذكريات.
دمتم في رعاية الله وحفظه