قصة جامعة الياسمين
عود الياسمين.
علي ضفاف النيل تكثر الحكايات ،ففي احدي القرى البسيطة يقابل سعد فتاة احلامه (سعيدة)،فتاة في مقتبل العمر ،وردة متفتحة؛ لكنها فقيرة غنية باخلاقها وعفافها ،كانت تعول أباها الشيخ المسن ،تخرج فجرا للعمل بحقول الياسمين وسرعان ما تقدم لها سعد ،فوافق أبوها ولما يرفضه ؟!
شاب مكافح مشهور عنه الصلاح والأدب ،جاء موعد الفرح علقت الزينات، وحضر المدعوون من كل مكان علت الفرحة سماءالقرية، وتبادل الجميع التهاني والتبريكات ،ودارت الأيام ومات الشيخ ،ولم يبق لها في الحياة غير رجلها (سعد) فأصر سعد علي جلوسها بالمنزل وخرج مشمرا للعمل وفي احدي الليالي أحست سعيدة بوجع شديد، وأخذت تتقلب يمينا ويسارا وقالت له أحس بألم الولادة ولم يخب توقعها ،وعند الفجر ولدتها (ام سيد)داية القرية المشهورة طفلا جميلا ،حمله أبوه مستبشرا فيه الصلاح ودعى الله أن يحفظه وأن يجزيه خيرا فيه وسماه (صالحا) ،نمى الصغير في حضن أبويه وأصر أبوه علي تعليمه قائلا (امثالنا لا سبيل لهم سوى العلم )وكان يردد هذا القول علي مسامع ابنه وكأنه قرأ قول الشاعر (العلم مال المعدمين اذا هم ،،،خرجوا الي الدنيا بغير حطام ).
ذهب الصغير الي كتاب القرية حاملا مصحفه وكراسته وقلمه الرصاص ،وأخذ الصغير يحفظ كتاب الله وسرعان ما تفتح زهنه وأخذ يختم الجزء تلو الآخر ،إنها بركة القرآن تفتح العقول وتنقي الصدور.
كلما ختم الصغير جزاء أبلغ الشيخ أباه ،الأب مسرور، ولما لا يسر وهو من اطاب مأكلهم ومشربهم ؟!
الأبوان مسروران فنبتهم يخضر يوما بعد يوم ،لكن السرور لم يدم طويلا فقد سقط الأب من علي فأسه مغشي عليه ،حمله اصدقائه الي المشفي لكن المرض شديد وبعد الفحوصات تبين للأطباء أنها حالة متأخرة من (كنسر بالكبد)
الألم شديد والعلاج لا يجدي والبيت بلا عائل فالاب طريح الفراش .
اشتد المرض جاء موعد الحق وفارقت الروح الجسد الي خالقها ،الحزن حل محل الفرح فتلك سنة الله.
مرت الاربعون وخرجت الأم للعمل وكأن حقول الياسمين تتشوق إليها أو أن الدنيا ترفض لها الراحة ،فالفقر مر وعزيز النفس لا يمد يديه أبدا.
أغلقت الأم بابها عليها وعلي صغيرها الذي عاهدت الله أن ترعاه ،رفضت الزواج واستثمرت حياتها في صغيرها .
الصغير متفوق دراسيا التحق بالاعدادية والأم تكافح من أجله ،الصغير يشب والأم تدب في الحقول من أجله ،فما اصعبها من رحلة!
كلما نجح الصغير نست أمه آلام العمل ولسان حالها يقول (ستمطر الأرض رغم شحتها،،،،،،،،،فمن بطون المآسي يولد الأمل)
الشاب صالح التحق بالمدرسة الثانوية ودخل القسم العلمي لكن المصروفات كثيرة فخرج للعمل بجانب مذاكرته ،الفجر للعمل والمساء للمذاكرة .
جاءت الامتحانات ونجح الشاب في الشهادة الثانوية ،وعلت الفرحة من جديد ،وشكرت الأم ربها أن جهودها لم تذهب سدا.
صالح بالفرقة الأولي بكلية الهندسة .
صالح يشتد عوده والأم تنهد صحتها وما عادت تقوى علي العمل ، يبحث الطالب عن عمل فيجد عملا مسائيا في احد المصانع ،ويطلب من أمه ألا تعمل ودارت الايام ورحلت الأم الي الله لتلحق بأبيه ،واظلمت الدنيا من جديد وانطفئ نورها في وجه صالح ولم يعد له فيها غير قبر أبيه وأمه وجامعته.
واصل صالح المسير في دروب الدنيا الموحشة وكله أمل أن الغد سيكون افضل.
وفي احدي الليالي يتعطل أحد خطوط الإنتاج بالمصنع فيهرول صاحب المصنع والمهندسون ولم تفلح محاولاتهم لإصلاح العطل وهنا يتدخل طالب الهندسة يستأذن المهندسين فتفلح محاولته ،فينبهر صاحب المصنع بذكاء صالح ويأمر له بمكافئة،يفرح صالح لا بالمكافئة إنما بعلمه الذي اكسبه حب الجميع.
صاحب المال عينه علي الفتى النبيل صاحب الخلق والعلم ،هنا يبتسم القدر ،يتخرج صالح برتبة باشمهندس ويعينه الرجل مهندسا ثم يطلبه لابنته عاملا بالحكمة التي تقول (أخطب لبنتك ولا تخطبش لابنك).
وافق صالح فهي من بيت كريم وتمر الأيام ويظلهم سقف واحد ثم يسافر صالح لدراسة الدكتور اه بألمانيا )
ويرجع حاملا أعلى الشهادات في مجاله ،وهنا يتذكر قول أبيه (أمثالنا ليس أمامهم سوى العلم )
ويتذكر قول الشاعر (ستمطر الأرض رغم شحتها ،،،،،،،، فمن بطون المآسي يولد الأمل).
لم ينس صالح قبر أبويه فذهب برفقة زوجته وصغيره( سعد) لزيارته ووقف عليه مترحما والدموع تجرى انهارا علي خديه ثم زرع أمامه عودا من الياسمين وحكى قصة الياسمين معه ومع أبويه من قبله لولده الصغير.
دمتم في رعاية الله وحفظه.