قصة الخص وهو مكان صغير علي شكل هرم علي رأس الحقل
الخص.
الخص بضم الخاء مكان صغير علي شكل هرم مصمم من أعواد الذرة اليابسة ،عادة ما يكون موقعه علي رأس الحقل ،وكان علي رأس حقل عمي صقر خصا جميلا صنعه بيده وكدس بداخله أدوات الشاي من براد واكواب وسكر وغيرها،علي مقربة منه تقبع طرمبة ماء عتيقة ،تعلوه أشجار التوت والصفصاف متشابكة الفروع والاغصان تحمل علي كفوفها اعشاش الطيور من كل جنس ولون ،المكان بديع بلا شك !
ولما لا وهو يطل علي مجرى ماء نيلي (ملال )وساقية قديمة ؟!
أشجار التوت والصفصاف لتقي الناس من حر الصيف والخص للحماية من برد الشتاء وامطاره.
رواد خص عمي صقر كانوا مميزين،فهذا عمي الحاج عبد الرحمن عبيد ابو خالد ،رجل وجهه كالقمر تعلوه ابتسامة صافية قلبه أبيض من الحليب فلاح لكنه مثقف فالجرنال لا يكاد يفارقه ،وذاك بن عمه الحاج عبد الحميد لا يتخيران في شئ .
وابي وعمي صقر متلازمان معهما ،وكنا صغارا نغدوا الي الحقول تداعب اكفنا المناجل وتتسلق اقدامنا أشجار التوت والجميز .
السماء تكشر عن أنيابها والسحب الزرقاء تكسوا الفضاء وقرع الرعد يدق الاذن.
المطر كالسيل ،الفلاحون يسرعون ليحتموا منه ولا أمان إلا في خص عمي صقر ،البرد شديد انتفض من شدته ،يطرح عمي عبد الرحمن عباءته السوداء علي .
اجتمع الأربعة في الخص وأنا بينهم ،يشعل العم صقر الخشب للتدفئة ويضع عليه براد الشاي .
الحكايات تسرد وحكايات الكبار مدرسة لمن أراد التعلم.
شاي العم صقر له مذاق خاص ،رائحة المكان تفوح بالحب والود ،فالخص رغم صغر ه كان مجتمع الكبار والصغار ،حضن يسع الجميع ،تتقارب فيه الأعمار مع حفظ الألقاب و المكانة.
وينتهي المطر ويعود كل منهم الي عمله ،وتتوالي الايام وتتعاقب الفصول والسنين وسرعان ما يفارقنا العم صقر الي جوار ربه ومن بعده رفقائه الثلاثة
وهدم الخص وخرب المكان وضاعت معالمه ؛لكن ذكرياته محفورة في ذاكرتي
تبكيها العين دموعا لا تتوقف .
الذكريات تألم إن غاب أبطالها فقد حفروها باخلاقهم وافعالهم.
فما الدنيا إلا ذكريات إلي أن نصبح ذكرى.
فاختم ذكراك باطيبها.