بقلم الاستاذ محمود السايس طباخ السم

 طباخ السم•

*********

بعد ستة أشهر مضت من الألفية الثالثة حيث اجازة الصيف وانتهاء دراسة الفرقة الثالثة بالكلية خرجت فجرا مودعا القرية راكبا قطار الخامسة والثلث المتجه إلي القاهرة (مصر)كباقي أصدقائي نبحث عن فرصة عمل بشركاتها ومصانعها ،فنحن أبناء الريف لا نعرف الكسل ولا شواطئ شرم او الساحل الشمالي ،خرجنا لنساعد الأهل في نفقات الحياة او علي الأقل نريحهم من كسوتنا وكتبنا وملازمنا،وصلت المحروسة والشمس في ثلث السماء الشرقي واتجهت إلي قلب البلد وقابلت رجلا أعرفه اصطحبني الي مكتب فخم يجلس علي كرسيه رجل ضخم الجثة أمامه شاشة مقسمة إلى مربعات ترى من خلالها كل كبيرة وصغيرة خارج الشركة وداخلها ،الجدار تعلوه صور مرعبة هذه الرجل مع احمد جويلي وزير التموين وأخرى مع فلان ،وقفت أمامه يسأل وأجيب ثم قال اذهب إلي قسم المرتجعات وخلال يومين آخذ منك تمام إجادة حساب المرتجعات وفنياتها قلت علي الرحب والسعة .

أنا لا علاقة لي بالحسابات ودهاليزها ذهبت وتعلمتها بسرعة فلا شئ صعب أمام الإرادة.

في اليوم التالي نقل المحاسب السابق إلي الخزنة وتسلمت انا مكتب المرتجعات وعهدته ،مجموعة من الدفاتر وعامل يجلس خارجه وميزان كبير ،المكتب يطل بنافذة بعرض الجدار علي صالة ضخمة تسمي صالة المبيعات تعلو الارض بمترين او يزيد ،السيارات تصتف وكأنها قطع عسكرية تنتظر الأمر بالتحرك من أتى عليه الدور دخل أمام المجرى (الباب)ليحمل بضاعته من (لانشون وبسطرمة وبيف وسجق)

وأنا علي كرسى مكتبي اتلقى من العامل أوزان البضاعة التي ترجع من خطوط التوزيع وعلي اثباتها وتخصيمها من الفاتورة الجديدة او استبدالها بأخرى.

البضاعة المرتجعة بها عيوب تصنيع او شئ من التلف خلال فترة الصلاحية وهذه وظيفة العامل الجالس خارج المكتب مراجعة ذلك والتأكد منه ؛لكن السؤال الذي كاد يطير النوم من عيني أين تذهب هذه البضاعة ؟!


اتعدم أم ماذا؟!

العامل يجرها علي ترللي صوب صالة التصنيع التي نمنع نحن أفراد المبيعات من دخولها ،الشك يساورني واليقين معدوم لدي وضمير ي يسألني كل ثانية أين تذهب هذه النفايات ؟

وكانت المفاجئة،ذات يوم وفي وقت الظهيرة اختفى العامل (رجب)من أمام المكتب وتحثثته هنا وهناك فلم أجده ،المرتجعات في الصالة كثيرة والترللي علي آخره ،خرجت من المكتب وقلت سنحت الفرصة وساجد جوابا عن كل ما دار بخلدي ،،،

خرجت تاركا حذائي لابسا (مشاية )أهوي فيها رجلي والقميص خارج البنطلون ودفعت الترللي أمامي جهة صالة التصنيع حيث كان رجب يتجه وهناك فظنني عمال التصنيع عاملا جديدا وأخذوا يرشدونني إلي الطريق وقالوا اركب الأسانسير وأنزل أسفل وكانت الطامة الكبرى!

رجل عجوز بيده سكين يقوم بقطع قطع اللانشون (المدودة)وباقي الكوز

 يلقيه في ترللي آخر وعامل يجره لأعلى فيعاد تصنيعه من جديد والناس تأكل سما (طباخ السم)

صعدت وأنا اكتم أنفاسي وقلت لابد من تحرى كل كبيرة وصغيرة وصاحبت أحد رجال التصنيع ودخلت عندهم مرات ومرات وللحقيقة لم أجد فئران يصنع منها اللانشون كما كانت أمي توهمني وأنا صغير حتي لا أطلبه وأحب أكل الملوخية والباميا والجبنة الحدقة (القديمة)؛لكن وجدت ماهو أسوء 

مادة كيميائية بنية اللون تسمى نيتريد صوديوم مصنعة في ألمانيا هكذا قرأت فأنا اجيد فك الخط بالإنجليزية هذه المادة من المفترض أنها توضع بنسبة مائة جزء في المليون يعني بدقة شديدة ؛لكنهم وضعوها بالحيفان اي بالبركة بواسطة برطمان مربى فارغ واغرف اقلب !

بحثت عن المادة وجدتها من أشد المواد الحافظة والتي ان زادت تلفت الكبد والكلى قلت لله ضر المستهلكين فكم من كبد تلفت وكم من مريض مات منها !

(إنه طباخ السم )

صعدت الدور الثالث حيث فتايات البسطرمة السطح كله بسطرمة معلقة في الشمس والحسناوات يكيسونها في افخم الأكياس ،اسمع عنها في المسلسلات والأفلام ولم ازقها ،فتحسست طريقة صنعها وجدتها والفسيخ متلازمتين

لحم يلقى في الشمس مدة يوم كامل ثم يأخذه الجزارين فيملئوه ملحا ثم يلف في اجولة الخيش ويضغط أسفل مكبس ثم يدهن حلبة مطحونة بشطة وثوم وتعلق عالمناشر ثم إلي البطون إنه (طباخ السم)

أين يذهب مرتجع البسطرمة ؟

سؤال محير سأصل لإجابة عنه ،ووصلت فعلا ،فالسجق يا سادة أمعاء الحيوانات (المسارين)يحشى بلحم مفروم اغلبه شغت اللحم من دهون وعروق ومرتجع البسطرمة،البسطرمة الفاسدة تعامل تماما مثل معاملة اللانشون الفاسد (إنه طباخ السم)

العجيب أن بالمصنع طبيبتين بيطريتين حكوميتين معينتين به ،ألا تعرفان ما يجرى ؟!

ذات يوم نقح علي احداهن الضمير فامسكت بجوال فاسد خارج الشركة ينوى صاحبه الدخول به وقالت لا لا ،،،ثم يأتي صاحب الشركة قائلا (ايه يعني مدود ما الجبنة القديمة بتدووووود)

وحينها سكت الكلام وشلت الطبيبة المكسور أنفها بالمال وشرب الشاااااي بالياسمين إنه (طباخ السم)

قلت في نفسي (ملعون ابو سيباراتكم المرسيدس عيون علي الجيب شروكى علي البي ام دابليو فوالله لعربتي أبي الكارو أشرف من هذه وتلك •

فقمت فجرا تاركا العمل وركبت قطار طنطا متجها الي قريتي الطيبة أهلها ،وصلت القرية 

فعانقت نسيمها وعانقني أهلها واتخذت قرارا بأن أصنع طعامي بيدي فأنا

لا ادري هل مات طباخ السم ام علي قيد الحياة ؟!


دمتم في رعاية الله وحفظه


محمود السايس

*********•**


المقال التالي المقال السابق
1 تعليقات
  • Unknown
    Unknown 4 يوليو 2021 في 8:23 م

    جميل

إضافة تعليق
رابط التعليق